لأذكار التي تُقال عند الكعبة المشرفة: دراسة تأصيلية من القرآن والسنة

الأذكار التي تُقال عند الكعبة المشرفة: دراسة تأصيلية من القرآن والسنة

المقدمة

تُعد الكعبة المشرفة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وأشرف بقعة على وجه الأرض، وفيها تتجلّى مظاهر العبادة والطاعة والخشوع. ومن أعظم ما يتقرب به العبد في هذا المكان المقدس: الذكر والدعاء، لما له من فضل ومكانة عند الله تعالى.

وقد ثبتت في النصوص الشرعية أنواع من الأذكار والأدعية يُستحب قولها عند الكعبة المشرفة، سواء عند رؤيتها، أو أثناء الطواف، أو عند المقام، أو بين الركن والمقام، وكلها تمثل سننًا نبوية وأذكارًا مأثورة ينبغي للمسلم معرفتها والعمل بها.

أولًا: فضل الذكر عند الكعبة المشرفة

1. لأنها من مواطن الإجابة
   قال النبي ﷺ:

   “الحج عرفة، والركن والمقام من مواطن الدعاء”
   (أخرجه البيهقي، وصححه ابن خزيمة)

2. الذكر هو أفضل الأعمال في كل مكان، وهو في مكة أعظم
   قال تعالى:

   ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾
   (البقرة: 198)
   وقال ﷺ:
   “سبق المفردون” قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات”
   (رواه مسلم)

ثانيًا: الأذكار المشروعة عند رؤية الكعبة

ليس هناك دعاء مرفوع صحيح صريح خاص عند رؤية الكعبة، ولكن ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يقولون:

“اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا، ومهابةً وبرًّا، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا”

وقد أشار لذلك بعض أهل العلم كـ ابن حجر والنووي.

💡 تنبيه:

لا يُشرع رفع الصوت بهذا الدعاء، ولا الجزم به كواجب، بل هو من الأدعية الحسنة لا الثابتة المرفوعة.

ثالثًا: الأذكار أثناء الطواف بالكعبة

1. تكبير عند بداية الطواف من الحجر الأسود

يقول:
“الله أكبر”
(رواه البخاري)

ويُسن تقبيل الحجر الأسود أو استلامه باليد اليمنى مع التكبير، فإن لم يتمكن، أشار إليه وكبّر فقط.

2. ما يُقال بين الركنين (الركن اليماني والحجر الأسود)

يقول:
“ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”
(رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن السكن)

3. أذكار الطواف بشكل عام

لا يوجد دعاء خاص ملزِم لكل شوط، ويجوز للمرء أن يذكر الله بأي ذكر مشروع مثل:

• “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”

• “لا حول ولا قوة إلا بالله”

• الاستغفار والدعاء بما شاء

قال ابن تيمية:

“ليس في الطواف ذكر مخصوص عن النبي ﷺ، بل يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة”.

رابعًا: الذكر والدعاء عند مقام إبراهيم

بعد الطواف، يُصلّى ركعتان خلف مقام إبراهيم، ويُستحب أن يُقرأ فيهما:

• في الركعة الأولى: سورة الكافرون

• في الركعة الثانية: سورة الإخلاص

ثم يدعو بما شاء، ومن الأدعية المشروعة:

“اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين”
(رواه الترمذي)

خامسًا: الذكر بين الركن والمقام

في هذه البقعة بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم، يستحب الإكثار من:

• الدعاء والاستغفار

• الصلاة على النبي ﷺ

• رفع اليدين والتضرع

قال ﷺ:

“الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة”
(رواه الترمذي وصححه الألباني)

سادسًا: الدعاء عند باب الكعبة والمُلْتَزَم

🔹 المُلتزم: هو الموضع بين الركن (الحجر الأسود) وباب الكعبة.

كان ابن عباس رضي الله عنه يقول:

“الملتزم ما بين الركن والباب لا يسأل الله فيه عبدٌ شيئًا إلا أعطاه إياه”
(رواه البيهقي، وصححه جمع من أهل العلم)

ويُستحب للمرء أن يلصق صدره وخده ويديه على هذا الموضع، ويدعو بما شاء، متضرعًا خاشعًا.

سابعًا: أذكار عامة في الحرم المكي

ينبغي للمسلم أن يُكثر في الحرم من:

• قراءة القرآن

• الاستغفار

• الصلاة على النبي ﷺ

• التسبيح والتهليل

• الدعاء بأنواع الخير

قال ﷺ:

“صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من مئة ألف صلاة فيما سواه”
(رواه ابن ماجه وصححه الألباني)

خاتمة

إن الكعبة المشرفة موطن عظيم للذكر والتضرع، وهي بيت الله الحرام الذي جعله مثابةً للناس وأمنًا. وينبغي للمسلم أن يتحرى الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ عند أدائه مناسكه، ويُكثر من الذكر الخاشع، والرجاء الصادق، واليقين بوعد الله، ليكون من الفائزين.

📚 المصادر والمراجع

1. القرآن الكريم – سور: البقرة، الحج، آل عمران

2. صحيح البخاري – كتاب الحج، باب الطواف

3. صحيح مسلم – كتاب الحج

4. سنن أبي داود – باب الدعاء في الطواف

5. سنن الترمذي – أبواب الحج، باب ما جاء في الطواف

6. البيهقي – السنن الكبرى

7. فتح الباري – ابن حجر العسقلاني

8. المجموع – الإمام النووي

9. الفتاوى الكبرى – ابن تيمية

10. زاد المعاد – ابن القيم الجوزية