, -

فضل تلاوة القرآن وحفظه

المدونة

 

القرآن الكريم هو كتاب الإسلام الخالد، ومعجزة النبي محمد ﷺ الكبرى، وسبيل الهداية لكل البشرية، بل هو النور الذي أرسله الله تعالى لعباده ليخرجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان والمعرفة، كما قال الله سبحانه:
{الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} (إبراهيم: 1).
فمن تكلَّم بالقرآن صدق، ومن عمل به نال الأجر، ومن دعا إليه كان على طريق الحق المستقيم. إن فيه تقويماً للسلوك، وتنظيماً للحياة، فمن تمسَّك به فقد أمسك بالعروة الوثقى التي لا تنفصم، ومن أعرض عنه وابتغى الهداية في غيره، فقد ضل ضلالاً بعيداً.

تلاوة القرآن… عبادة عظيمة وقربى إلى الله

إن تلاوة القرآن الكريم من أعظم العبادات التي يتقرَّب بها المسلم إلى ربه، قال الله تعالى:
{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر: 29).
وفي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال:
“وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” (رواه مسلم).
فتأمّل هذا الفضل العظيم، كيف أن الاجتماع على قراءة القرآن يجلب الطمأنينة، والرحمة، وذكر الله لك في الملأ الأعلى!

القرآن… مائدة الله ورحمته للناس

لقد وصف النبي ﷺ القرآن بأنه مأدبة الله لعباده، ورحمة من الله لكل الناس، فقد ثبت في سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
“من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ‘ألم’ حرف، ولكن ‘ألف’ حرف، و’لام’ حرف، و’ميم’ حرف”.
فكل حرف من القرآن يُثاب عليه المسلم عشر حسنات على الأقل، فكيف بمن يُداوم على قراءته وتدبره وحفظه؟

القرآن شفيع لأصحابه يوم القيامة

حثَّ النبي ﷺ على تلاوة القرآن، ورغّب فيه أيّما ترغيب، فقال:
“تعلّموا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، وعليكم بالزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تُحاجّان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة” (رواه مسلم).
والمراد بـ”البطلة”: السحرة، أو من يتكاسل عن العمل بها. وسورة البقرة فيها من الخير والنور والبركة ما لا يُحصى.

فضل القارئ الماهر والمتعثر في التلاوة

وبشّر النبي ﷺ قارئ القرآن، سواء أكان ماهراً به أم يقرأه بتعثّر، فقال:
“الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران” (متفق عليه).
وفي حديث آخر قال ﷺ:
“يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ، ورتّل كما كنت تُرتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
فانظر إلى هذا التشريف العظيم، إذ تكون درجاتك في الجنة بقدر ما تحفظ وتقرأ من كتاب الله!

الوصية النبوية بتعاهد القرآن

كان من وصايا النبي ﷺ لأمّته، وخاصةً حفظة كتاب الله، أن يُداوموا على تلاوته ومراجعته باستمرار، فقال:
“تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشدّ تفلّتاً من الإبل في عقلها” (رواه مسلم).
وهذا الحديث يُبيّن لنا أن القرآن سريع النسيان إذا لم نداوم على مراجعته، ولهذا قال أهل العلم: “القرآن عزيز، إن لم تحفظه وتراجعْه ضاع منك”.

ختم القرآن وتدبّره حسب الطاقة

وقد ورد في السنّة النبوية استحباب ختم القرآن في كل شهر، لكن من وجد في نفسه نشاطاً وقوة، فليختمه كل أسبوع، بشرط ألا يُجهد نفسه ولا يستعجل القراءة. ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله ﷺ:
“اقرأ القرآن في شهر”، قلت: إني أجد قوة، فقال: “فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك”.
ثم قال عبد الله بن عمرو بعد أن كَبُر سنه:
“فليتني قبلتُ رخصة رسول الله”.

وهذا دليل على أهمية التوازن، فالغاية ليست كثرة القراءة فقط، بل القراءة بتدبر وخشوع.

أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه

وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:
“يا أيها الناس، عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وإن أحبّ الأعمال إلى الله ما دُووم عليه وإن قلّ، وكان آل محمد ﷺ إذا عملوا عملاً أثبتوه” (رواه مسلم).
ومعنى “أثبتوه” كما قال الإمام النووي: أي لزموا العمل وداوموا عليه. فدوامك على ورد يومي من القرآن -ولو كان يسيراً- أفضل من كثرة منقطعة.

لا تكن من الهاجرين لكتاب الله

تنبه -أخي القارئ الكريم- واحرص كل الحرص على ألا تكون من الذين يهجرون كتاب الله، ولا يقرؤونه إلا في رمضان أو المناسبات. وتذكّر دائماً أن قراءة القرآن عبادة عظيمة لا بد أن تُؤدى بإخلاص لله، وخشوع وخضوع، فإنك تتلو كلام رب العالمين.

وقد أوصى بعض أهل العلم أبناءهم فقالوا:
“اقرأ القرآن وكأنه عليك أُنزل”.
أي اجعل كل أمر ونهي ووعد ووعيد في القرآن كأنه موجه إليك أنت شخصياً، فتخشع له، وتعمل به، وتعيش في ظلاله.

رسالتي إلى الآباء والمربّين

وفي الختام، يا أيها الآباء والأمهات، ويا كل مربٍّ ومعلّم، استوصوا بأبنائكم خيراً، وربُّوهم على محبة القرآن، علّموهم تلاوته، واغرسوا في قلوبهم تعظيمه، واعملوا على أن يعيشوا في رحابه، ويغترفوا من معينه الذي لا ينضب، ففي القرآن كل الخير، وكل السعادة في الدنيا والآخرة.

فما ذلَّت أمة الإسلام، وما ضعفت، إلا عندما هجرت كتاب ربها، وابتعدت عنه في حياتها وأخلاقها وتربيتها. فلنُعِد القرآن إلى بيوتنا ومدارسنا وقلوبنا، لنعود إلى مجدنا وعزّنا.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، وحبِّب إلى أبنائنا تلاوته وحفظه والعمل به، واجعله لهم نوراً في طريق حياتهم، وسبيلاً لفلاحهم في الدنيا والآخرة، آمين.

تدوينات ذات صلة

بركة القرآن الكريم

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إلى من قدَّر الله له قراءة هذه المقالة أحسب أن الله أراد بك خيرًا، فخذ من وقتك دقائق واقرأ بتمعن، فإني ناصحك بنصيحة لئن أخذت

القرآن الكريم… دستور الحياة وشفاء الأرواح

بسم الله الرحمن الرحيمفضل تلاوة القرآن الكريم وأثره في حياة المسلم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن القرآن الكريم هو كلام الله المنزل

حفظ القرآن آمان من الخرف

مع تقدّم الإنسان في العمر، تبدأ مخاوف كثيرة تُراوده، من أبرزها: فقدان الذاكرة، وضعف التركيز، والخرف الذي قد يجعل الشيخ الكبير وكأنه عاد طفلًا لا يعي ما حوله.وفي ظل هذا القلق المتزايد، يعود المؤمن ليرتوي من