, -

“صرخة الصبر: إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”

المدونة

مقدمة

من القصص القرآنية العظيمة التي تجسّد الصبر في أبهى صوره، قصة نبي الله أيوب عليه السلام، الذي ابتلاه الله بالمرض، وفقدان المال والأهل، فصبر واحتسب ولم يجزع، حتى ضرب به المثل في الصبر، وأصبح يُقال: “صبر أيوب”.

ومن أعظم ما ورد في هذه القصة المباركة: دعاء سيدنا أيوب عليه السلام، الذي استجاب الله له ورفع عنه البلاء.


أولًا: التعريف بسيدنا أيوب عليه السلام

  • هو أحد أنبياء الله الصالحين، وذُكر اسمه في عدة مواضع من القرآن الكريم.

  • قيل إنه من ذرية إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام.

  • عاش في منطقة “حوران” في بلاد الشام.

قال الله تعالى:

﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ﴾
(ص: 41)


ثانيًا: بلاء أيوب عليه السلام

ابتلي نبي الله أيوب عليه السلام ابتلاءً شديدًا في:

  1. جسده: حيث أصيب بمرض عضال مزمن، قيل إنه دام ثمانية عشر عامًا.

  2. ماله: ففقد ثروته وأراضيه ومواشيه.

  3. أهله: توفي أولاده جميعًا.

  4. الناس: نفر منه الناس إلا زوجته الوفية التي بقيت ترعاه.

ومع ذلك، لم يتلفظ بكلمة سخط، بل بقي شاكرًا ذاكرًا لله، يصلي ويذكر ربه.


ثالثًا: دعاء سيدنا أيوب عليه السلام في القرآن الكريم

قال تعالى في سورة الأنبياء:

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ﴾
(الأنبياء: 83)

✨ معاني الدعاء:

  • “إني مسني الضر”: إقرار منه بما أصابه من بلاء، دون شكوى أو اعتراض.

  • “وأنت أرحم الراحمين”: تفويض الأمر لله تعالى، والرجاء برحمته.

🔹 خصائص الدعاء:

  1. قِصَرُه وبلاغته: لم يطلب رفع البلاء صراحة، لكنه أظهر حاله بين يدي ربه.

  2. أدب رفيع: لم يشتكِ من الله بل شكا إلى الله.

  3. اعتراف بقدرة الله: ختم دعاءه بذكر صفة الرحمة.


رابعًا: استجابة الله لدعائه

قال تعالى:

﴿فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّۖ وَءَاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰبِدِينَ﴾
(الأنبياء: 84)

استجاب الله له بثلاثة أمور:

  1. شفاؤه الكامل من المرض

  2. ردّ أهله إليه أحياء، وقيل بذرية جديدة

  3. مضاعفة رزقه وماله بعد الفقر

وفي موضع آخر، قال الله تعالى:

﴿ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَـٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ﴾(ص: 42)

فكان الشفاء بأمر مباشر من الله، حيث أمره أن يضرب الأرض بقدمه فانبجست عين ماء، فاغتسل بها وشرب فشفاه الله.


خامسًا: الدروس والعبر من دعاء أيوب عليه السلام

1. الصبر مفتاح الفرج

  • صبر أيوب جعله قدوة للعالمين.

  • قال تعالى:

    ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾
    (ص: 44)

2. أدب الدعاء

  • لم يطلب شيئًا محددًا، بل أظهر حاله بين يدي الله، وهذا من كمال الأدب واليقين.

3. الثقة في رحمة الله

  • قوله: “وأنت أرحم الراحمين” دليل إيمان عميق بأن الله أرحم به من نفسه.

4. لا يأس مع البلاء

  • مهما طال البلاء، فإن الفرج قريب لمن يثبت ويُحسن الظن بالله.


سادسًا: فضل دعاء أيوب في السنة

  • ثبت أن النبي ﷺ كان يذكر هذا الدعاء في مواقف المرض، فيرشد إليه أصحابه، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:

قال رسول الله ﷺ: “دعوةُ ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له”.
(رواه الترمذي وصححه الألباني)

وإن لم يرد هذا اللفظ عن أيوب، إلا أن التشابه في الحال (البلاء والتضرع) بين الأنبياء يجعلها من السنن العامة في الدعاء عند الشدة.


سابعًا: استخدام المسلم لدعاء أيوب

يمكن للمسلم أن يدعو به في حالات:

  • المرض المزمن أو المؤلم

  • الكرب والابتلاء الطويل

  • فقد الأحبة أو المال

  • كثرة الهموم وضيق النفس

“اللهم إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”


خاتمة

قصة دعاء نبي الله أيوب عليه السلام تحمل بين طياتها كنزًا من الإيمان، ومصدرًا للثبات واليقين، فهي تذكرنا بأن الابتلاء باب من أبواب القرب إلى الله، وأن الدعاء الصادق مهما طال الأمد، لا يُرد عند الله، بل يأتي الفرج بقدرته ورحمته، كما جاء لنبيه أيوب بعد سنوات من الصبر.


📚 المصادر والمراجع العلمية

  1. القرآن الكريم

    • سورة الأنبياء، الآيات: 83–84

    • سورة ص، الآيات: 41–44

  2. تفسير ابن كثير

    • تفسير الآيات المتعلقة بقصة أيوب في سورتي الأنبياء وص

  3. تفسير الطبري

    • جامع البيان عن تأويل آي القرآن

  4. الدر المنثور في التفسير بالمأثور – السيوطي

  5. الشفا بتعريف حقوق المصطفى – القاضي عياض

    • وردت فيه إشارات لمواقف الأنبياء في الدعاء

  6. الجامع الصحيح (سنن الترمذي)

    • حديث دعاء ذي النون، رقم: 3505

  7. رياض الصالحين – الإمام النووي

    • باب الصبر، باب الدعاء

  8. زاد المعاد – ابن القيم الجوزية

    • فصل في بيان شفاء أيوب عليه السلام

تدوينات ذات صلة

الأذكار النبوية قبل النوم

زاد المسلم إلى الطمأنينة والحفظ والرحمة قال رسول الله ﷺ:“باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.”📖 رواه البخاري ومسلم في هذا المقال نقدم لك الأذكار

دعاء ختم القرآن الكريم

اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْءَانِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَاماً وَنُوراً وَهُدًى وَرَحْمَةً * اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَانَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَاجَهِلْتُ وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَارَبَّ العَالَمِينَ * اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي