, -

شكوى النبي الكريم من هجر القرآن العظيم

المدونة

هجر القرآن.. شكوى نبوية وتحذير لنا

قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا” [الفرقان: 30].

بهذه الآية يحكي الله تعالى شكوى نبيه محمد ﷺ، حين قال: “يا رب، إن قومي تركوا القرآن وهجروه!”. هذه ليست مجرد كلمات، بل هي صرخة ألم من قلب نبي محب لأمته، يرى أعزّ الناس عليه يُعرضون عن أعظم نعمة أُعطيت لهم.

ما معنى “هجروا القرآن”؟

أي تركوه، ما عادوا يقرأونه، أو يعملون بما فيه. وهو القرآن الذي نزل بلُغتهم، ومن نبيّ هو واحد منهم، يعرفونه جيدًا. ومع ذلك أعرضوا عنه، وكأنهم لا يرونه ولا يسمعونه!

ولِمَ يشكو النبي ﷺ؟

لأن هجر القرآن كان من أشد ما يؤلمه. فقد جاءهم بالهدى والنور، لكنهم قابلوه بالإعراض والجفاء، فكان ذلك سببًا في شكواه لربه.
وفي هذه الشكوى تهديد خطير لنا – نحن المسلمين – إن فعلنا كما فعلوا. فالهجر درجات، منها الأخطر: ألا نؤمن به أصلًا، ومنها: ألا نعمل به أو نهتم بفهمه.

هل نحن الآن نهجر القرآن؟ للأسف، نعم!

نعم، نحن نؤمن به، ونزين به رفوف مكتباتنا ومساجدنا، لكن هل نعي ما فيه؟ هل نُعمل أحكامه؟ هل نرجع إليه في حياتنا؟ انظر كيف تعاملنا معه:

  • تركنا دلائله العقلية الواضحة، وذهبنا نتعقّد بعلومٍ فلسفية لا يفهمها العامة ولا الخاصة!

  • تركنا أحكامه الواضحة في الحلال والحرام، وركّزنا على فروع فقهية معقّدة قد تضيّع العمر قبل أن نفهمها!

  • تركنا أخلاقه، وأسس تهذيب النفس، وركضنا خلف تصوف أو فلسفات بعيدة عن روح الإسلام، حتى امتلأ المجتمع بالخلافات والانقسامات!

  • تركنا دعوته لنا للتفكر في الكون والعجائب، وانشغلنا بخرافات وأوهام لا تسمن ولا تغني من جوع!

  • تركنا تفسيره وتدبّره، حتى إن طالب العلم قد يقضي سنوات طويلة في دراسة علوم “الآلة” – كالنحو والبلاغة – دون أن يقرأ تفسيرًا واحدًا للقرآن!

بل وتركنا سنة النبي ﷺ!

فالقرآن أمرنا باتباع النبي ﷺ، لكننا كذلك هجرنا سنته، فقلَّ من يقرأ كتب الحديث، وحتى بعض العلماء لم يطّلعوا على الصحاح والمسانيد كما ينبغي!

والمصيبة الأكبر…

أن بعض الناس لا يكتفون بهجر القرآن، بل يصنعون بدائل من عند أنفسهم، يكتبون كتبًا، أو ينشئون طرقًا، ثم يجذبون الناس إليها ويصرفونهم عن كتاب الله! وهؤلاء هم شرّ من يهجر القرآن، لأنهم يضلون أنفسهم ويضلون غيرهم.

فما الحل؟ كيف نعود؟

النجاة الحقيقية هي أن نعود إلى القرآن:

  • نقرأه، ونتدبره، ونتعلم ما فيه من علم وهداية.

  • نأخذ عقيدتنا وأخلاقنا وسلوكنا منه، ومن سنة نبينا ﷺ التي تشرحه وتبيّنه.

  • نُخلِص النية، ونتعلّم بصدق، ونسير على خطى العلماء الراسخين.

والبشائر بدأت تظهر – بحمد الله – من شبابٍ وشيوخ يعودون للقرآن، يطلبون الهداية منه، ويبحثون عن الفهم الحقّ.

فلنكن منهم… قبل أن يشكونا نبينا كما شكا قومه.

تدوينات ذات صلة

القرآن نزل من السماء لأجلك… فماذا فعلت لأجله؟

واجبنا تجاه القرآن الكريم: قراءة وتدبرًا وتطبيقًا مقدمة القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، أنزله على نبيه محمد ﷺ ليكون نورًا وهدًى للبشرية، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم. وقد عظم

خطبة الجمعة إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

بسم الله الرحمن الرحيم  الخطبة الأولى: أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، واستمسكوا بكتابه القويم وهدي رسوله الكريم في جميع شؤون حياتكم الخاصة والعامة، قولاً وعملاً واعتقادًا وفكرًا، فمن ابتغى الهدى في

من درر العلامة ابن القيم عن القرآن الكريم

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: قد صنف علماء الإسلام قديمًا وحديثًا في شتى مباحث القرآن الكريم وعلومه وفنونه، فمنهم: من أفرد ذلك في كتبٍ مستقلة، ومنهم من تناول ذلك