خطبة الجمعة
🕌 الخطبة الأولى:
الحمد لله الغفور الرحيم، التواب الكريم، واسع المغفرة، شديد العقاب، لا إله إلا هو، إليه المصير. نحمده تعالى ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين.
أما بعد، عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى:
“وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ”
(النساء: 131)
🎙️ موضوع خطبتنا اليوم: “فضل الاستغفار وعظيم أثره في حياة المسلم”
يا عباد الله،
إن من أعظم ما يفتح أبواب الرزق، ويشرح الصدر، ويزيل الهم، ويجلب الرحمة، الاستغفار؛ ذلك المفتاح العجيب الذي وهبنا الله إياه، نطلب به مغفرته، ونتقرّب به إليه، فنُطهِّر به القلوب، ونرقّي به الدرجات، ونُبعد به عنا المصائب والمحن.
🌟 أولاً: أمر الله تعالى بالاستغفار في كتابه
قال الله عز وجل في محكم التنزيل:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا”
(سورة نوح: 10-12)
يا الله!
انظروا كيف ربط الله الاستغفار بـ:
نزول المطر (أي الرزق الوفير)
زيادة المال
الذرية الصالحة
الجنان والأنهار
فأيّ فضلٍ أعظم من هذا؟!
📖 ثانيًا: استغفار الأنبياء، وعلى رأسهم النبي محمد ﷺ
إذا كان الأنبياء، وهم صفوة الخلق، يستغفرون الله، فما بالنا نحن المذنبين؟!
قال الله عن سيدنا إبراهيم عليه السلام:
“رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ…”
(إبراهيم: 41)
وقال عن نبي الله نوح عليه السلام:
“وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ”
(هود: 47)
وأما نبينا محمد ﷺ، فكان رغم عصمته، يكثر من الاستغفار.
قال ﷺ:
“يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مئة مرة”
(رواه مسلم)
وفي رواية أخرى:
“إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة”
(رواه مسلم)
🕊️ ثالثًا: الاستغفار سبب لمغفرة الذنوب، وإن عظمت
قال الله تعالى:
“وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا”
(النساء: 110)
قال العلماء: في هذه الآية أمل لكل مذنب، مهما بلغت ذنوبه. فالباب مفتوح، والمغفرة موعودة، بشرط أن تطرق باب التوبة بصدق، وتُكثر من الاستغفار.
💧 رابعًا: الاستغفار سبب للفرج وتفريج الكرب
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله ﷺ:
“من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب”
(رواه أبو داود وصححه الألباني)
انظر!
ثلاثة عطايا عظيمة:
الفرج بعد الهم
المخرج بعد الضيق
الرزق من غير سبب!
أليست هذه هي مطالب كل حيّ؟!
فما علينا إلا أن نُكثر من الاستغفار.
🌙 خامسًا: الاستغفار وقت السحر… مقام عالٍ
قال الله في وصف عباد الله الصالحين:
“وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”
(الذاريات: 18)
الأسحار: هي لحظات السكون، والناس نيام… لكن أولياء الله يسهرون بالدموع، والاستغفار، والتوبة.
فلا تحرم نفسك أن تكون منهم، ولو بدقيقة في آخر الليل.
✋ تنبيه مهم:
الاستغفار ليس مجرد لفظ يُقال باللسان، بل هو:
ندم بالقلب
توبة صادقة
وعزم على عدم العودة
وإصلاح ما أمكن من الذنب
📢 الختام – الخطبة الأولى:
عباد الله،
الاستغفار بابك إلى الله، لا يغلقه عنك أحد. لا تستهِن به، ولا تؤجله.
فرب كلمة استغفار تخرج من قلبٍ منيب، فتُبدّل صحيفة سواد إلى نور، وتنقل العبد من دركات المعصية إلى مراتب الأولياء.
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ…”
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
🕌 الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وكتب على نفسه المغفرة، وجعل التوابين من أحب عباده إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
🛑 تحذير من الغفلة عن الاستغفار
عباد الله،
إن الغفلة عن الاستغفار سبب للهلاك، وإصرار العبد على الذنب دون توبة، قد يُغلَق عليه باب الرجوع.
قال الله تعالى:
“وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”
(الأنفال: 33)
فتأمل: الاستغفار أمان من العذاب.
📿 اجعل لك وردًا من الاستغفار
عوّد لسانك:
أن تقول: “أستغفر الله وأتوب إليه”
أو: “اللهم اغفر لي وارحمني”
أو: “رب اغفر لي وتب علي”
فهي كلمات قليلة في اللفظ، عظيمة في الأثر.
✅ دعاء الاستغفار العظيم (سيد الاستغفار):
قال ﷺ:
“سيد الاستغفار أن تقول:
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك،
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،
أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي،
فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
من قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه، دخل الجنة،
ومن قالها من الليل موقنًا بها، فمات من ليلته، دخل الجنة.”
(رواه البخاري)