, -

حين اسودّت المدينة… وأضاء الإيمان قلب أبي بكر

المدونة

من المولد إلى الوفاة: نظرة تأصيلية على سيرة النبي محمد ﷺ وموقف أبي بكر يوم وفاته

تمهيد

تشكل سيرة النبي محمد بن عبد الله ﷺ اللبنة الأساسية لفهم الإسلام تاريخًا وروحًا. وقد بدأ هذا التاريخ بميلاد النبي في مكة، وبلغ ذروته بوفاته في المدينة المنورة، مرورًا برحلة شاقة من الوحي، والهجرة، والجهاد، وبناء الدولة الإسلامية. وفي هذا المقال، نستعرض الخط الزمني لسيرته ﷺ بإيجاز علمي، ثم نعرض موقف الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم وفاة النبي، وهو موقف خالد يدل على الثبات العقائدي والنضج السياسي.


المولد والنشأة

وُلد محمد ﷺ في مكة عام 570م تقريبًا، في قبيلة قريش، وهي من أعظم القبائل العربية نسبًا ومكانة. توفي والده عبد الله قبل ولادته، وتوفيت أمه آمنة بنت وهب وهو في سن السادسة. كفله جدّه عبد المطلب، ثم بعد وفاته، عمّه أبو طالب. نشأ النبي معروفًا بالصدق والأمانة، حتى لُقِّب بـ”الصادق الأمين”【ابن هشام، السيرة النبوية، 1/168】.


بداية الوحي والدعوة

في سن الأربعين، نزل عليه الوحي في غار حراء، وأول ما نزل من القرآن قوله تعالى:

“اقرأ باسم ربك الذي خلق” (العلق: 1).

بدأت الدعوة سرًا، ثم جهر بها بعد ثلاث سنوات، فتعرض وأصحابه لأذى شديد من قريش. اشتد البلاء حتى أذن الله للمسلمين بالهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة【الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 2/313؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 3/134】.


الهجرة وبناء الدولة

تمت الهجرة إلى المدينة عام 622م، وهي السنة التي أصبحت بداية التقويم الهجري. أسّس النبي ﷺ أول مجتمع إسلامي قائم على العقيدة، والمؤاخاة، والعدل. ووقعت خلال هذه المرحلة عدد من الغزوات، أبرزها بدر (2 هـ)، أُحد (3 هـ)، والخندق (5 هـ). ثم كانت صلح الحديبية (6 هـ) وفتح مكة (8 هـ) الذي شكل تحولًا استراتيجيًا في مسار الدعوة【ابن هشام، السيرة النبوية، 2/233–3/44】.


وفاة النبي ﷺ

في أواخر السنة العاشرة للهجرة، حج النبي ﷺ حجة الوداع، وخطب في الناس خطبته الشهيرة التي وضع فيها أسس العدالة وحقوق الإنسان، ثم عاد إلى المدينة. وفي ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، اشتد به المرض، وتوفي يوم الإثنين، 12 ربيع الأول، في بيت عائشة رضي الله عنها، عن عمر 63 سنة【البخاري، صحيح البخاري، رقم الحديث: 4462】.


موقف أبي بكر الصديق يوم الوفاة

حين شاع خبر وفاة النبي ﷺ، دخل الناس في حالة من الذهول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أكثر الناس تأثرًا، فقال:

“والله ما مات رسول الله، وليبعثنه الله، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلًا زعموا أنه مات!”【البخاري، حديث رقم: 1242】.

لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وقد كان خارج المدينة في السنح، عاد مسرعًا، ودخل على النبي ﷺ، فكشف عن وجهه، وقبّله، وقال:

“بأبي أنت وأمي، طبت حيًا وميتًا. أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ولا تذوقها بعد ذلك أبدًا”【البخاري، حديث رقم: 1241】.

ثم خرج إلى الناس، وقال كلمته الخالدة:

“أما بعد، فمن كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت”،
ثم تلا قوله تعالى:
“وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم…” (آل عمران: 144)【البخاري، حديث رقم: 4452】.

قال عمر:

“فكأنّي لم أسمعها إلا تلك الساعة”، فاستقر الناس، وثبتت الأمة، وبدأت مرحلة الخلافة.


خاتمة

مثّل موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم وفاة النبي ﷺ درسًا خالدًا في القيادة والثبات والإيمان العميق. لقد عرف أن الرسالة أعظم من حياة الأفراد، وأن الأمة لا تُبنى على العاطفة، بل على وعي العقيدة. وهكذا انتقل الإسلام من عهد النبوة إلى عهد الخلافة، دون فتنة أو تردد، بفضل حكمة الصحابة وثباتهم.


المصادر

  • ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين.

  • الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية.

  • ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر.

  • البخاري، صحيح البخاري.

  • القرآن الكريم.

تدوينات ذات صلة

سيرة الصدّيق… من الطفولة إلى القمة!!

🌿 أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من أسلم.. وأول خليفة للمسلمين ✨ مقدمة عندما يُذكر الإسلام، يُذكر النبي محمد ﷺ.وعندما يُذكر النبي ﷺ، لا بد أن يُذكر معه رفيقه الأول، وصديقه الأقرب، وأول من

هل أنت صغير؟ إذًا حان وقت العظمة!

🕊️ لا تقل “هو صغير”… فإن للشباب في الإسلام شأنًا عظيمًا! ✨ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: كثيرًا ما نسمع في مجتمعاتنا عبارات مثل:“دعْه، ما زال صغيرًا”،“لا تُحمله مسؤولية”،“لا

الأندلس باختصار

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  الأندلس هي الإقليم الواقع في قارة أوروبا، خلّف وراءه المسلمون مجدًا وحضارة أثرت عميقًا، حيث لا يزال أثرها راسخًا حتى الآن. كانت الأندلس نبراسًا