الحمد لله الذي أعزّ الإسلام بأهله، ورفع منار التوحيد في أرضه، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن أرض الحرمين الشريفين، مهبط الوحي ومنبع الرسالة، لها مكانة راسخة في قلب كل مسلم، وتاريخها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بصحوة الأمة ونهضتها. ونستعرض في هذا المقال مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية من عصر الدولة العثمانية إلى حاضرها الزاهر، مستحضرين أثر العقيدة والتوحيد في بنائها واستمرارها.
أولًا: الجزيرة العربية في ظل الدولة العثمانية
في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، أصبحت معظم أجزاء الحجاز ونجد والجنوب العربي تحت النفوذ العثماني، إما بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء محليين. وكان اهتمام الدولة العثمانية يتركز في الحرمين الشريفين (مكة والمدينة)، نظرًا لمكانتهما الإسلامية العظيمة. فعملت على حمايتهما وتنظيم شؤونهما، وأقامت المنشآت الخيرية للحجاج والمعتمرين.
لكن في الداخل النجدي، كان النفوذ العثماني ضعيفًا وغير مستقر، مما أدى إلى تراجع الأمن، وازدياد النزاعات القبلية، وانتشار البدع والخرافات، حتى ظهرت دعوة التوحيد التي غيرت مسار التاريخ.
ثانيًا: الدولة السعودية الأولى (1744–1818م)
في عام 1157هـ (1744م)، قام تحالف تاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، لإحياء العقيدة الصحيحة ونشر التوحيد ومحاربة الشرك والبدع. وبهذا التلاحم بين الدعوة والدولة، تأسست الدولة السعودية الأولى في الدرعية، وأصبحت مركزًا علميًا وسياسيًا.
امتدت الدولة في أرجاء نجد والحجاز والأحساء واليمن، وأعادت الأمن إلى الطرق، وعملت على تطبيق الشريعة الإسلامية. لكن هذه النهضة لم تُرضِ الدولة العثمانية، التي رأت فيها تهديدًا لنفوذها، فكلفت والي مصر محمد علي باشا بإسقاط الدولة، وتم له ذلك بعد حصار الدرعية عام 1818م.
ثالثًا: الدولة السعودية الثانية (1824–1891م)
لم تمضِ سنوات طويلة حتى عادت الدولة السعودية من جديد، على يد الإمام تركي بن عبد الله، الذي اتخذ من الرياض عاصمةً جديدة للدولة عام 1240هـ (1824م). وواصل أبناؤه من بعده نشر دعوة التوحيد وتحقيق الاستقرار في أرجاء نجد.
لكن هذه الدولة واجهت صراعات داخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة، مما أضعفها ومهّد الطريق لسقوطها عام 1891م على يد آل رشيد الذين كانوا على علاقة بالدولة العثمانية.
رابعًا: توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز (1902–1932م)
في فجر القرن العشرين، خرج شاب منفيٌ في الكويت، اسمه عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، بعزيمة المؤمن، ليستعيد ملك آبائه. فدخل الرياض في معركة بطولية عام 1902م، وبذلك بدأت مسيرة التوحيد الكبرى.
استمر الملك عبدالعزيز قرابة ثلاثين عامًا في جهاد متواصل، حتى تمكن من توحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية، فضمّ نجد والأحساء وعسير والحجاز، ثم أعلن تأسيس المملكة العربية السعودية رسميًا في 23 سبتمبر 1932م، على أساس العقيدة الإسلامية الصافية، وجعل القرآن الكريم والسنة النبوية دستورًا لها.
خامسًا: المملكة في عهد أبنائها الملوك
واصل أبناء الملك عبدالعزيز من بعده السير على منهجه في خدمة الإسلام والحرمين الشريفين، وتحقيق الأمن والازدهار:
الملك سعود: ركّز على التعليم والصحة، وأسس الوزارات، وواصل دعم الدعوة.
الملك فيصل: كان زعيمًا إسلاميًا بارزًا، ناصر القضايا الإسلامية، ووقف ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين.
الملك خالد: شهد عهده نهضة تنموية هائلة، واهتمامًا كبيرًا بالحرمين الشريفين.
الملك فهد: أُطلق عليه “خادم الحرمين الشريفين”، وشهدت المملكة في عهده توسعات كبرى في المسجد الحرام والنبوي، وتطورًا عمرانيًا وعلميًا واقتصاديًا.
الملك عبدالله: عُرف بمبادراته في الحوار بين الأديان، وتوسعة الحرمين، والإصلاح الاقتصادي.
الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان: يشهد عهدهم تحولات كبرى في مختلف المجالات، من التنمية الاقتصادية (رؤية 2030)، إلى تعزيز دور المملكة في خدمة الإسلام، وتجديد الخطاب الديني المعتدل.