واجبنا تجاه القرآن الكريم: قراءة وتدبرًا وتطبيقًا
مقدمة
القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، أنزله على نبيه محمد ﷺ ليكون نورًا وهدًى للبشرية، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم. وقد عظم الله تعالى شأن هذا الكتاب فقال:
﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2].
ولذلك، فإن واجب المسلم تجاه القرآن الكريم لا يقتصر على مجرد الاحترام، بل يشمل عدة جوانب أساسية: تلاوته، وتدبره، والعمل به، والدعوة إليه.
أولًا: تلاوة القرآن الكريم
1.1 فضل قراءة القرآن
حثّ الله ورسوله على قراءة القرآن، وجعل الله لتاليه الأجر العظيم. قال النبي ﷺ:
“من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”
رواه الترمذي (حديث حسن صحيح).
وقال تعالى:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّۭا وَعَلَانِيَةًۭ يَرْجُونَ تِجَـٰرَةًۭ لَّن تَبُورَ﴾
[فاطر: 29].
1.2 آداب التلاوة
للقراءة الصحيحة آثار عظيمة في القلب، ويُستحب أن يُراعي التالي:
الإخلاص لله تعالى في التلاوة.
الطهارة واستقبال القبلة.
الترتيل والتدبر، لقوله تعالى:
﴿وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4].
عدم هجر القرآن، كما قال تعالى على لسان نبيه:
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَـٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ مَهْجُورًۭا﴾ [الفرقان: 30].
ثانيًا: تدبر القرآن الكريم
2.1 معنى التدبر
التدبر هو التأمل في معاني الآيات، والوقوف عند مقاصدها، وربطها بالواقع، لا مجرد القراءة باللسان فقط. قال الله تعالى:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24].
وقال تعالى:
﴿كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ﴾ [ص: 29].
2.2 وسائل التدبر العملي
القراءة بتأنٍ وتمهل، وليس بسرعة.
الرجوع إلى التفسير، مثل:
– تفسير السعدي،
– تفسير ابن كثير،
– التفسير الميسر.التساؤل بعد كل آية: ماذا يقصد الله؟ هل أطبق هذه الآية؟ ما أثرها في حياتي؟
الكتابة والتلخيص: تدوين النقاط المهمة والخواطر يعزز الفهم.
2.3 أثر التدبر
من نتائج تدبر القرآن:
زيادة الإيمان والخشوع.
تصحيح الأخطاء في التفكير والسلوك.
التقرب من الله تعالى.
البصيرة في الدين والدنيا.
قال الحسن البصري:
“والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى يقول أحدهم: قد قرأت القرآن كله. ما يُرى له في خلق ولا عمل!”.
ثالثًا: العمل بالقرآن
القراءة والتدبر لا معنى لهما إذا لم يتبعهما عمل وتطبيق. الصحابة الكرام كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها ويعملوا بها. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
“كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن”.
والنبي ﷺ كان قرآنًا يمشي على الأرض، كما قالت عائشة رضي الله عنها:
“كان خُلُقُهُ القرآن” [رواه مسلم].
رابعًا: تعليم القرآن والدعوة إليه
من أعظم الأعمال أن نُعلِّم القرآن للناس، أو نعين على نشره والدعوة إليه. قال النبي ﷺ:
“خيركم من تعلم القرآن وعلّمه”
[رواه البخاري].
خامسًا: الحذر من هجر القرآن
من صور الهجر:
هجر تلاوته.
هجر فهمه وتدبره.
هجر العمل به.
هجر الاستماع إليه.
قال الإمام ابن القيم:
“هجر القرآن أنواع: هجر تلاوته، وهجر تدبره، وهجر العمل به، وهجر الاستشفاء به…”.
خاتمة
القرآن الكريم هو دستور حياتنا، ومنهجنا الذي يجب أن نرجع إليه في كل وقت. واجبنا لا يتوقف عند القراءة فقط، بل يتعداه إلى التدبر والفهم، ثم التطبيق والدعوة إليه.
اجعل لنفسك وردًا يوميًا من التلاوة، لحظات للتأمل، وقتًا للتطبيق، وسعيًا لتعليم غيرك. فمن عاش مع القرآن، عاش في نور لا ينطفئ.
﴿إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].
المراجع:
القرآن الكريم.
صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن.
صحيح مسلم.
الترمذي، كتاب ثواب القرآن.
تفسير ابن كثير.
تفسير السعدي.
“الفوائد” لابن القيم.
“التبيان في آداب حملة القرآن” للنووي.